المخالصة والمصادقة التجارية
لقد شهد مجال المعاملات التجارية في الآونة الأخيرة تنوعًا كبيرًا وتطورًا هائلا، كما ظهرت في أفق الاستثمار أشكال جديدة من التعاملات التجارية، وقد كان من الطبيعي أن يصحب مثل هذا التطور والتحول ظهور عدد من المشكلات التي تؤدي إلى المنازعات التجارية، ولم يعد من المنطقي الاعتماد على وسائل الإثبات التقليدية فيما استحدث واستجد من منازعات؛ ومن ثم فقد توجّب ابتكار وسائل إثبات جديدة يمكن من خلالها إثبات التعاملات التجارية، ومن تلك الوسائل الحديثة في التعاملات التجارية استخدام المخالصات والمصادقات المحاسبية، والتان نُقدم لمحة سريعة عن أهميتهما بوصفهما من وسائل الإثبات الكتابية في التعاملات التجارية، على النحو الآتي:
المصادقات المحاسبية:
هي إجراء يتم ضمن العمليات الممتدة التي تكون على الحساب، وفي نهاية كل فترة يُرسل المورِد طلبًا بالتصديق على الرصيد إلى المورَد له؛ ليُصدّق عليه.
وهناك عدة أنواع من المصادقات المحاسبية، ومن أهمها ما يلي:
المصادقة الإيجابية: وهي التي يطلب فيها التاجر من الغير إقرارًا كتابيًّا بصحة رصيد حسابه المُبين في الخطاب المرسل إليه.
المصادقة السلبية: وهي التي يطلب فيها التاجر من الغير إقرارًا كتابيًا في حال خطأ رصيد حسابه في الخطاب المُرسل إليه.
المصادقة العمياء: تكون في حال عدم ذكر رصيد الحساب في الخطاب المرسل إلى الغير، الذي يطلب منه التاجر إقرارًا كتابيًّا برصيد حسابه لدى المنشأة محل المراجعة.
ويسعى التاجر من خلال استخدام المصادقات المحاسبية إلى تحقيق عدد من الأهداف مثل الحصول على إقرار من الغير خارج المنشأة عن صحة أو خطأ رصيد حساب معين، أو الحفاظ على حقوقه من خلال المصادقة عليها، أو تجنب تبعات عبء الإثبات في العمليات المتفرقة التي تتطلب سندات لكل تعامل على حدة، وأخيرًا تقسيم التعامل على مراحل بحيث يتوقف التعامل غالبًا حتى سداد التعاملات التي تمت المصادقة عليها.
ويكون للمصادقات المحاسبية حجيةً في الإثبات حيث تعد من أكثر أدلة الإثبات الكتابية إقناعًا وموثوقيةً؛ لعدة اعتبارات تتمثل في كونها معدَّة خارج المنشأة حيث إنها رد كتابي أو شفوي يصدر عن جهة من خارج المنشأة، كما يتم استخدامها في المصادقة على حساب المدينين، بالإضافة إلى أنه يتم تسليمها مباشرةً إلى المُراجع دون تعرضها لمخاطر احتمال تغييرها أو تحريفها بواسطة العميل.
وثمة بعض الآثار التي تترتب على تقديم المصادقات المحاسبية، ومنها إثبات عدم سدادها وقت إعدادها والمصادقة عليها، وعلى هذا فإن أي سداد بتاريخ سابق لها لا يعتد به، كما لا يُلتفت إلى إيصالات السداد المؤرخة قبل تاريخ المصادقة.
أما المخالصات التجارية فهي تُعد إبراءً من الدين، وهي عبارة عن المستندات التي تضمن إنهاء التعامل التجاري دون أية شروط لاحقة، كما أنها تضمن إبراء من الدين بمقابل أو بغير مقابل، وغالبًا ما تختم بعبارة "ولم يعد له أي مطالبة على الطرف الثاني"، ويكون ذلك إقرارًا واضحًا بعدم بقاء أية التزامات للمخالص له.
وثمة شروط معينة يجب توفرها في إعداد المخالصات التجارية، وتتمثل هذه الشروط في أن تصدر من ذي صفة أو من يمثله تمثيلًا صحيحًا، وأن تكون المخالصة معلومةً ومحددةً؛ تجنبًا للنزاعات فيما بعد، وأن تُمهر بما يُثبت نسبتها إلى مُصدِرها، ويكون ذلك غالبا بختمه وتوقيعه.
الطعون التي ترد على المخالصة والمصادقة:
إذا توفرت الشروط النظامية في المخالصة أو المصادقة؛ يكون الأصل صحتها ولا يحيد عنه أي طرف إلا ببينة، ومن أوجه الطعن التي يمكن أن ترد على المخالصات أو المصادقات أن تكون قد صدرت من غير ذي صفة، أو أن يكون قد شابها وقوع غش أو تزوير، سواء كان ذلك بالإضافة أو الحذف أو الحشو وغيره.
وهكذا، تظل اللوائح والقوانين والإجراءات القضائية كيانًا ديناميكيًا مرنًا قابلًا للتطور والتجديد وابتكار وسائل الإثبات وطرق العمل التي تواكب ما يطرأ على سوق العمل ومجال الأعمال التجارية من تطور وسرعة.
[ بقيادة فرع الرياض ]